بعد خسارة تحالف الشعب لانتخابات 2024 :أردوغان يتودد للمعارضة
أظهرت خسارة “تحالف الشعب”، الذي يضم حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب الحركة القومية اليميني المتطرف، في الانتخابات المحلية التركية الأخيرة، الفروقات البارزة بين الشريكين في الرؤية السياسية في العديد من الملفات الإشكالية، سواء الداخلية أو الخارجية، وعلى رأسها القضية الكردية والنظام القضائي.
بينما اختار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نهجاً أكثر ليونة ومرونة في التعامل مع القضايا الداخلية، بقي شريكه في الائتلاف دولت باهتشيلي، زعيم حزب الحركة القومية، متمسّكاً بمواقفه المتشدّدة الصارمة، محاولاً في الوقت ذاته جذب أردوغان إلى الخط التقليدي لتحالفهما، الذي يعتمد على تأجيج سياسات الاستقطاب الحادة.
أربع وزارات للمعارضة أبدى باهتشيلي ردّة فعل عنيفة وشديدة على سياسة التطبيع التي اقترحها رئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل على أردوغان، في أول إشارة واضحة وصريحة إلى أن الأمور لا تسير بسلاسة بين الشريكين، خاصة بعد 31 آذار (مارس) الماضي.
الرئيس التركي يتجاهل مواقف شريكه فى تحالف الشعب
تجاهل الرئيس التركي مواقف شريكه، وفتح أبوابه على مصراعيها أمام زعيم حزب الشعب الجمهوري، الذي خرج من الانتخابات بانتصار تاريخي لافت، هو الأول منذ أكثر من ربع قرن.
وفي دليل على حسن نيّته وإرادته القوية في البدء بحقبة “الليونة” في السياسة الداخلية، وافق أردوغان على إطلاق سراح جنرالات مسنّين ومرضى كانوا معتقلين بتهمة إقرار مسار 28 شباط (فبراير) 1997، حين أجبرت المؤسسة العسكرية رئيس الوزراء الإسلامي الراحل نجم الدين أربكان على الاستقالة، تحت تأثير التدابير التي اتخذتها تحت شعار “محاربة الرجعية”.
تم توقيع قرار العفو في منتصف الليل، رغم معارضة باهتشيلي، وكان ذلك لفتة واضحة ناحية أوزيل، الذي طالب بالإفراج عن الجنرالات المنتمين تقليدياً إلى خط حزب الشعب الجمهوري. وربما كان هذا إعلاناً من أردوغان عن بداية مرحلة تنويع الشراكات الداخلية، لضمان استمراريته السياسية لما بعد انتخابات عام 2028.
حلّ حزب الحركة القومية خامساً في الانتخابات المحلية الأخيرة، متراجعاً مرتبة واحدة عن الانتخابات البرلمانية في أيار (مايو) 2023، مما زاد من الأصوات المشكّكة داخل حزب العدالة والتنمية حول جدوى الاستمرار بالشراكة مع الحزب اليميني المتطرف في المستقبل.
مصادر إعلامية : اردوغان يسعي لضمان مستقبله السياسي
وأكدت مصادر إعلامية مقربة من حزب الشعب الجمهوري أن أردوغان، في مسعاه الحثيث لضمان مستقبله السياسي، مستعد لمنح حزب الشعب الجمهوري أربع وزارات، باستثناء الخارجية والدفاع، وأنه سيناقش الموضوع مع أوزيل خلال زيارته المتوقعة إلى مقر حزب الشعب الجمهوري في بداية حزيران (يونيو) المقبل.
في المقابل، لم يحصل حزب الحركة القومية، شريك أردوغان الفعلي ضمن “تحالف الشعب”، على أي حقيبة وزارية خلال الحكومات الثلاث التي تشكّلت منذ تشكيل هذا التحالف.
التلويح بورقة القضاء بينما تستمر الادّعاءات والنقاشات بشأن تورط ضباط الشرطة في قضية رجل المافيا أيهان بورا كابلان، وتورط مسؤولين في حزب الحركة القومية في قضية قتل زعيم الجناح الشبابي السابق في الحزب سنان أتيش، وهما الملفان القضائيان الأكثر تعقيداً وإثارة للجدل في البلاد اليوم، زار وزير الداخلية علي يرليكايا رئيس حزب الحركة القومية دولت باهتشيلي في مكتبه في البرلمان بطلب من الرئيس أردوغان، وشرح له “نشاط وزارته منذ تسلّمه منصبه، وحربها الحازمة ضدّ الإرهاب والجريمة المنظمة”.
بعد هذا اللقاء، أعلن حزب الحركة القومية إنهاء مهام أولجاي كلاووز، البرلماني السابق والمستشار الحالي لكتلة الحزب البرلمانية، المتّهم بضلوعه في جريمة قتل أتيش، بعد أشهر من الدفاع عنه، وتفعيل الضغوط السياسية الشديدة على القضاء لمنع إدراج اسمه في الشهادات والاعترافات المتصلة بالجريمة، بحسب ما أفادت به زوجة المغدور، وذلك بعد إقصاء القاضي السابق الذي كشف أن السيارات التي استخدمها الجناة في تنفيذ جريمتهم تعود إلى حزب الحركة القومية، بحسب نظام تتبع الآليات.
ووفقاً للمعلومات التي حصلنا عليها من مصادر إعلامية متابعة لملف الدعوى، جاء هذا التطور في موقف الحركة القومية بطلب من وزير الداخلية، الذي أبلغ باهتشيلي بحساسية الوضع، وإصرار حزب الشعب الجمهوري على المضي قدماً في الكشف عن تفاصيل الجريمة التي ارتُكِبَت في وضح النهار.
مصالح مشتركة بين تحالق الشعب
“تحالف الشعب” مصلحة مشتركة تبدو خطوة استغناء الحركة القومية عن عدد من المسؤولين المعروفين بعلاقاتهم مع زعماء المافيات أو المتورطين في قضايا جنائية، محاولة من زعيم الحزب لتدارك الصدع واستعادة الشراكة المترنحة مع الرئيس أردوغان، المتودد لحزب الشعب الجمهوري من جهة، والمصر على الضغط على شريكه التقليدي من جهة أخرى.
في المقابل، يحاول باهتشيلي تفعيل الضغط على أردوغان من خلال منظومة البيروقراطيين المعيّنين في القصر الرئاسي بدعمه، بهدف تطويق شريكه ومنعه من الانحراف عن سكّة الشراكة المستمرة منذ نحو عقد من الزمن.
وفي لعبة المد والجزر بين اعضاء تحالف الشعب ، يعتقد علي كمال إرديم، الصحافي التركي المتخصص في السياسات الداخلية، أن “السياسات القومية لا تزال راسخة بقوة داخل المجتمع التركي، والجبهة القومية لا تزال هي الأوسع في السياسة التركية حتى الآن”.
ويشرح إرديم أن “شراكة أردوغان مع الحركة القومية من خلال تحالف الشعب لا تزال حاجة ماسة للطرفين، في ظل غياب بديل مضمون يمكن أن يحلّ محل الحركة، ولا شك في وجود اختلافات في العديد من القضايا، لكنّ الجانبين متفقان على ضرورة استمرار تحالفهما السياسي”.
يرى الباحث السياسي التركي هاكان أرسان باش أوغلو، في حديثه الصحفي، أن حملات أردوغان السياسية الأخيرة “تهدف إلى توريط حزب الشعب الجمهوري في المشكلات المعقدة التي تعاني منها البلاد، من خلال تشكيل ائتلاف كبير من اعضاء تحالف الشعب، والتنازل عن بعض الوزارات، مقابل تحميل المعارضة الرئيسية مسؤولية الأزمات الاقتصادية والسياسية، وانتزاع ورقة هذه الأزمات من يد المعارضة كي لا تستغلها لكسب المزيد من الأصوات”.
ينتظر المحللين والصحافيين الأتراك زيارة أردوغان إلى مقر حزب الشعب الجمهوري المعارض، الأولى منذ أكثر من 10 أعوام، وما سيتم الإعلان عنه غداة هذه الزيارة، خاصة في مسألة منح الحزب الفائز بأغلبية البلديات الكبرى في الانتخابات الأخيرة مقاعد وزارية.
تأتي الزيارة والكل عينه على تصريحات باهتشيلي، الممتعض بشدة من تقارب حزب العدالة والتنمية والمعارضة الأم، خصوصاً في ظل إصرار بعض الصحافيين المحسوبين على القصر الرئاسي، أمثال عبد القادر سيلفي، على ضرورة إطلاق سراح رجل الأعمال المعتقل عثمان كافالا، وهو ما يرفضه باهتشيلي بشكل قاطع، ومطالبة الصحافي أوكان مدرس أوغلو في مقالته أمس بـ”الكشف عن جميع الأوراق خلال المحاكمة في قضية اغتيال أتيش وتحقيق العدالة من خلال محاكمة المتورطين في الجريمة”، مهدّداً بأن “الهيكل البيروقراطي (في الحكومة) متورط في تسريب ممنهج للمعلومات والوثائق والمطالبات”.