
في مثل هذا اليوم يُخلّد الشعب الكويتي ذكرى استقلاله، وهو حدث يجسد معاني السيادة والكرامة الوطنية ويشكل محطة فاصلة في تاريخ وطن كتب معالمه بجهود أبنائه المخلصين. فقد بدأت رحلة الدولة الحديثة في 19 يونيو 1961، حيث أعلن الشيخ الراحل عبدالله السالم الصباح نهاية اتفاقية الحماية مع بريطانيا، معلنًا انطلاقة عهد جديد يقوم على الاستقلال التام والنهضة الشاملة.
ويُعد هذا التاريخ علامة فارقة في مسيرة الكويت، إذ حققت الدولة خلال الـ64 عامًا الماضية إنجازات استراتيجية متعددة المجالات، مستندةً إلى خطط استشرافية واضعة التنمية والتطوير في قلب توجهاتها، كما برزت الكويت في المحافل الإقليمية والدولية من خلال مساهماتها الإنسانية والدبلوماسية الحذرة.
وتستمر الكويت في مسيرتها بثبات تحت القيادة الحكيمة لصاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، وسمو ولي العهد الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح، حيث يجمع بين العمل الداخلي الدؤوب ومسار الدبلوماسية الوقائية على المستويين الإقليمي والدولي. وفي 19 يونيو 1961، عقب توقيع وثيقة الاستقلال، خاطب الشيخ عبدالله السالم الصباح الشعب الكويتي بكلمات مؤثرة تؤكد التحول التاريخي الذي يمثل فصلًا جديدًا يستند إلى الحرية والسيادة الكاملة.
وعقب مرور ثلاث سنوات على توقيع الوثيقة، صدر في 18 مايو 1964 مرسوم بدمج العيد الوطني بعيد الجلوس، الذي يُصادف تسلم مقاليد الحكم في 25 فبراير من كل عام، وهو استمرار لخطوات مدروسة بُنيت منذ تولي الشيخ عبدالله السالم مقاليد الحكم عام 1950، حينما شرع في تحقيق الاستقلال وإقرار الدستور وسط وطن مُهيأ للنمو في شتى المجالات.
كما جاء في 26 أغسطس 1961 صدور مرسوم أميري بإجراء انتخابات المجلس التأسيسي، استجابة لرغبة الشيخ عبدالله السالم في إقامة نظام حكمٍ يرتكز على أسس ديمقراطية واضحة. وتمكن المجلس المنتخب خلال تسعة أشهر من إعداد مشروع الدستور الذي تضمن 183 مادة، مما مهد الطريق لحياة ديموقراطية متكاملة وشارك في رسم مستقبل الكويت.
ومنذ ذلك الحين، شرعت الكويت في سنّ 43 قانونًا وتشريعًا في المجالات المدنية والجنائية، شملت قوانين تتعلق بالجنسية والنقد والكوازم وتنظيم الدوائر الحكومية، بالإضافة إلى إصدار مرسوم أميري لتنظيم القضاء ليغطي كافة الاختصاصات في النزاعات الوطنية.

وعلى الصعيد الدولي، أكسبت الكويت حضورًا مميزًا بانضمامها إلى العديد من المنظمات والمؤسسات الإقليمية والدولية؛ إذ بدأ مجلس الأمن الدولي النظر في طلبها للانضمام إلى الأمم المتحدة في 30 نوفمبر 1961، وتلت ذلك الموافقة على عضويتها في 14 مايو 1963 لتصبح العضو الـ111 في المنظمة.
وكانت البنية الإدارية قبل الاستقلال قد أعدت الكويت لاستقبال مرحلة جديدة، إذ شملت إدارات متكاملة في مجالات الأشغال العامة والصحة والمطبوعات والمعارف والبلدية والبريد والهاتف والكهرباء والماء والشؤون الاجتماعية والإذاعة والتلفزيون. وبعد الاستقلال، اتبعت الكويت مسارًا راسخًا في دعم النظام الدولي برفض العدوان وحماية حقوق الإنسان وضمان عدم التدخل في شؤون الدول، مؤمنةً بدور الأمم المتحدة في حفظ الأمن والسلام الدوليين.
وبعد مرور 64 عامًا على استقلالها، تبقى الكويت نموذجًا يُحتذى في الثبات والتنمية المستمرة، إذ يتضافر العمل الحكومي والشعبي لتعزيز خطط التنمية الداخلية واعتماد الدبلوماسية الوقائية، في سعي دائم لمنع النزاعات وحل المشكلات بالطرق السلمية. ويظل استقلال الكويت رمزًا للإرادة الشعبية التي حولت الطموحات إلى واقع ملموس، مما يحفز الأجيال القادمة على مواصلة البناء على أسس العزة والكرامة من أجل مستقبل مشرق.